د. شهاب المكاحله
على غرار حلف وارسو، يبدو أن محور الشرق قد تشكل عسكرياً ليضم الصين، وروسيا وكوريا الشمالية والتي تخضع جميعها لعقوبات اقتصادية أميركية. هذا المحور أكدته تصريحات ثعلب السياسة العالمية هنري كيسنجر قبل أيام حين قال: إن العالم سيواجه فترة حرجة وخطرة للغاية تشبه تلك التي سبقت الحرب العالمية الأولى مع فارق واحد هو امتلاك المعسكرين الغربي والصيني أسلحة متطورة جداً (نووية واستراتيجية)، قد تستخدم في أي مواجهة عسكرية قادمة. وطالب كيسنجر واشنطن بأن «تسارع للتوصل إلى تفاهم مع الصين حول النظام العالمي الجديد لضمان استقرا? العلاقات بين الجانبين وتجنب مواجهة عسكرية عالمية شاملة تحدث فوضى عالمية».
لم تأت هذه التحذيرات الكيسنجرية من فراغ بل بناء على واقع استخباراتي توصلت إليه أجهزة استراتيجية في تلك الدول الكبرى من أجل تجنب صدام قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء مئة عام. فما الذي دفع كيسنجر للتحدث اليوم وبعد مضي ٦٥ يوماً على تولي جو بايدن منصب رئيس الولايات المتحدة؟.
إن العالم اليوم بات جاهزاً أكثر من أي وقت مضى لحرب عالمية ثالثة لتخفيف التعداد السكاني لأن الموارد الطبيعية المتوافرة لم تعد تكفي طموح تلك الدول الكبرى، سعياً منها لزعامة العالم والتربع على عرش التسلح العالمي.
الصين والولايات المتحدة تسعيان إلى زيادة قدراتهما العسكرية لأن التسلح هو الوسيلة الوحيدة لحماية المكتسبات الاقتصادية والتجارية والسياسية. وهذا ما أكدت عليه وزارة الدفاع الأميركية غير مرة من أنه يتعين على الإدارة الأميركية زيادة ترسانتها النووية، وتطويرها للتصدي لطموحات الصين في المحيطين الهادئ والهندي. وهنا سيلعب حلف الناتو على وتر قضية التبت، والصراع على هونج كونج، ومسلمي الإيجور، وتايوان، كما أن واشنطن ستعمل على التركيز على قاعدة حقوق الإنسان وغياب الديمقراطية.
وهنا لا بد من أن ندرك أن أي هجوم على مصالح صينية سيعد اعتداء على الصين ذاتها، كما أن أي اعتداء على مناطق قريبة من الحدود الصينية الروسية سيعد اعتداء على روسيا. وهنا تكمن العقدة لأن الصين تستند عسكرياً على دعم لوجستي من الاتحاد الروسي مثلما تعتمد روسيا الاتحادية على الصين في الجانب الاقتصادي.
وتبقى مسألة الحسم في بحر الصين الجنوبي والشرقي حيث ستبقى لعبة القط والفأر طالما لم تتوصل واشنطن وبيجنج إلى اتفاق سلام يضمن السلم العالمي والحفاظ على مكاسب كل منهما مع مراعاة أن القرن الواحد والعشرين يحمل الكثير من المخاطر التي تضاعفت بسبب التقدم التكنولوجي والبيولوجي والكيماوي وحروب الجيل الرابع.
الكثير من وثائق الأمن القومي الأميركي تشير بشكل دائم إلى أن الصين لن تكون يوماً حليفاً استراتيجياً للولايات المتحدة بل ستكون الخصم الأول والمنافس في القرن الحادي والعشرين وبناء عليه تعكف كوادر وزارة الدفاع الأميركية والأجهزة الأمنية على إعداد الدراسات والخطط العسكرية للتصدي للطموحات العسكرية الصينية لا سيما مع توقيع الصين وإيران اتفاقية للتعاون في كافة المجالات لأكثر من عشرين عاماً ما يجعل الحدود الصينية لا تقتصر على المحيط الهادئ بل تتعداه إلى المياه الدافئة في الخليج العربي.